((رسوم الأطفال ضرورة ملحة لاكتشاف الموهوبين والمبدعين))




خطوط وألوان لا تعكس واقعا، ولا تحمل سوى خيالٍ يصعب على الإنسان إدراكه، خطوط ترسم ملامح ذلك العقل الذي لم ينضج بعد خطوط تتآلف لتعبر عن إحساس داخلي وواقع يعيشه ذلك الطفل الممسك بالقلم واقع لا يفهمه سوى ذلك الطفل أو تلك الطفلة واقع نعيش بعيدين عنه لا نستطيع كشف أغواره بسهولة.

:e100: لرسوم الأطفال معان كثيرة، تحكي قصصا مثيرة وواقعا لا نشاهده، رسوم تحتاج لمزيد من الدراسة والبحث والاهتمام. ومنذ أن يتمكن الطفل من النظر للعالم الخارجي ويبصر ما حوله حيث تتكون الخيالات العابرة و تتراكم في مخيلته فلا يستطيع التعبير عنها أو الإفصاح عن معانيها، حتى تبدأ أنامله إمساك القلم فيتحول ما يراه إلى خطوط ودوائر تعبر عن عالمه الخاص والمختلف كليا عن مداركنا وعقولنا ورؤانا وتوجهاتنا.رغم العفوية التي يتمتع بها الأطفال، إلا أننا نرى اختلافا واضحا بين رسومهم وأعمالهم ، وذلك بالطبع يعود إلى طبيعة المجتمع الذي يعيش فيه والبيئة ينشأ فيها والثقافة السائدة التي يكتسب منها مفرداته. والبيت والمدرسة والمعلم خاصة الذي يتولى هذه المهمة الشاقة لهم تأثير كبير في تطور فن الطفل الذي لا يلتزم بقوانين وقواعد الفن المتعارف عليها، وهذه المرحلة تتشكل فيها الكثير من عناصر شخصية الطفل بدءا من مراحله الأولى إلى مرحلة الطفولة المتأخرة. وتلك الرسوم التي تعكس ما يعانيه الطفل من مشاعر مكبوتة وصراعات نفسية لا يستطيع أن يعبر عنها أو يصفها، تحتاج إلى تحليل ودراسة لأنها تساعد في الكثير من حل المشكلات النفسية، وتعمل على تعديل السلوك. وفي هذه المرحلة تبرز الكثير من المواهب والقدرات متى ما أخذت حقها من الانطلاق إلى عالم الخيال دون قيود وحدود. ترى ذلك عندما تتأمل فيما يقدمه الطفل بذلك الحس الطفولي الصادق النابع من المشاعر النقية الخالية من المقاصد الدنيوية، والمعتمدة على العفوية بكل ما فيها من معنى. تنبع أهمية العناية برسوم الأطفال ودراستها لأنها تبين لنا القدرات العقلية وتساعد في مجال اختبار الذكاء، وكذلك اكتشاف السلوك الذي يعيشه الطفل سواء كان عدوانيا أو انعزاليا، فالاعتراف بالطفل وبأسلوبه في التعبير الفني اعتراف بشخصيته وما لديه من ميول واستعدادات فطرية. والاعتراف يحتم إدراك الخصائص أو الاتجاهات التي تتميز بها تعبيراته الفنية. وقد أثبتت الدراسات أن الوالدين والمعلمين الذين يؤمنون بإبداعية أطفالهم يصبح أبناؤهم أكثر نشاطًا ويقظة وطموحًا ومغامرة، وأعلى قدرة على الإبداع؛ فالأطفال يلعبون دورا إبداعيًا إذا ما هيأنا لهم تفاعلا نشطًا أثناء اكتسابهم لمعارفهم من العالم الخارجي. ويتوقف هذا الدور الإبداعي على كيفية تدريبهم وتنظيمهم للمعرفة، وتفاعلهم مع المثيرات البيئية المختلفة التي يتفاعلون معها.

والأطفال حينما يعبرون تلقائيا بالرسم ينتجون رموزا وأشكالا وتكوينات لها مظاهر إبداعيه، من هذه الزاوية يعتبر رسم الطفل أول محاولاته الإبداعية في عالم الفن التشكيلي. وعندما نستعرض رسوما كثيرة من مختلف المدارس نجد أن هناك تفاوتا في المستويات يظهر في بعضها الإبداع و يغيب عن البعض الآخر، ذلك راجع إلى الملكة والموهبة التي منحها الله لهؤلاء الأطفال دون سواهم. وتحتاج تلك الموهبة إلى المساندة والتوجيه فهم كالنبتة، فالبيئة المناسبة التي تعمل على رعاية ذلك الطفل وتقديم المساعدة له من خلال تكوين العادات الإيجابية كالدقة في التنفيذ والتفكير قبل الرسم واستغلال الفراغات في الصفحة وحسن استخدام القلم، كل ذلك ينمي هذه العادات المصاحبة للتعبير و يجعل الرسم أصيلا وجيدا وفيه لمسة إبداعية. فإذا غاب هذا العنصر وصاحبه ذلك معلم لا يفهم ولا يعي ما تعنيه تلك الرسوم وليس لديه الخلفية الكافية لتذوقها وتوجيهها، فإن النتيجة تكون رسوما استهتارية ليس فيها إبداع.

وتعد زيارة المتاحف والمعارض الفنية للناشئة مصدرا مهما لتزيد من إدراكهم وتنمي مفرداتهم اللونية وتوسع مداركهم وتعطيهم قدرة أكبر على التحكم في خطوطهم واتجاهاتها.

ويبقى الدور الأكبر على المؤسسات التعليمية للنظر في هذا المجال والاهتمام ومعاملته كجزء أساسي من العملية التعليمية وليس نشاطا غير منهجي وخاصة عندما نعلم السبب وراء إصدار قانون تدريس مادة الرسم كمادة أساسية في المدارس العامة الأمريكية قبل أكثر من 130سنة جاء نتيجة لما لاحظه التجار والصناع من تفوق واضح للإنجليز في مجال التصميم الصناعي ورقي الأسلوب والذوق والجمال لديهم فطالبوا – التجار والصناع- النظر في الضرورة العملية تعليم الفن في عمليات المنافسة في الأسواق التجارية العامة، فاستعانوا بخبرة الإنجليزي ولتر سميث وعينوه مديرا للرسم في بوسطن ومديرا للتربية الفنية في ماساشوستس، فهل تجد هذه المادة ذلك الاهتمام والعناية؟